صالح المغامسي: كيف ردت هيئة كبار العلماء السعودية على دعوته لإقامة "مذهب إسلامي جديد"؟

لا يزال الجدل مستمرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول دعوة أطلقها قبل أيام صالح المغامسي، الداعية والإمام والخطيب السابق لجامع قباء، بشأن تأسيس "مذهب فقهي إسلامي جديد".

فقد أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية بيانا ردت فيه على دعوة المغامسي. فما الذي تضمنه هذا البيان؟ وكيف جاءت ردود فعل المدونين والمغردين حول بيان الهيئة؟

"دعوة غير موضوعية"

نجحت تصريحات المغامسي في شد انتباه جهات دينية وشخصيات ثقافية، فبادر العديد من الكتاب أو الشيوخ للرد على دعوته إما بنقده أو بالتأكيد على واقعيتها.

وفي وقت لاحق من مساء الاثنين، أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية بيانا وصفت فيه دعوة المغامسي لإنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد، بأنها "تفتقد للموضوعية والواقعية".

وقالت الهيئة: "إن الفقه الإسلامي بمذاهبه الفقهية المعتبرة، واجتهاداته المتنوعة، يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، ويوفق بين حاجاتها والشريعة الإسلامية، وهو ما تبرهن عليه الهيئات العلمية، والمجامع الفقهية، التي تمارس الاجتهاد الجماعي".

وأشار البيان إلى أن "تلك هذه الهيئات والمجامع تتفاعل إيجابا مع حاجات المجتمع، وتطوراته المعرفية، والاجتماعية والاقتصادية".

وهيئة كبار العلماء هي هيئة دينية سعودية حكومية تتمثل مهامها في إبداء الاستشارة في قضايا عديدة وإصدار الفتاوى.

وتضم في صفوفها لجنة محدودة من علماء الدين البارزين من مدارس فقهية متعددة.

ولم يحسم بيان الهيئة النقاش الدائر عبر المنصات الرقمية بشأن دعوة المغامسي، إذ طرح أسئلة جديدة حول مراحل وعوامل ظهور المذهبية الإسلامية.

وثمة من يحصر تلك العوامل في قرار سياسي تتبناه سلطة معينة في فترة معينة في التاريخ. لذا يدرج البعض دعوات المغامسي في إطار سياسي بحت.

كما حيا آخرون المغامسي على جرأته، ودعوا لفتح باب الاجتهاد لتطوير الفقه".

في حين تبنى البعض الآخر بيان هيئة كبار العلماء/ وانتقد "استماتة الشيخ في إثارة الجدل في مواضيع ليست من اختصاصه"، على حد قولهم.

دعوة المغامسي

وفي مقابلة أثارت جدلا عبر القناة السعودية الأولى، قال المغامسي إنه: "يرجو من الله أن ينشئ على يديه مذهبا إسلاميا جديدا".

وتابع قائلا: "المراجعة لما قد سلف أمر لا مناص منه". وأضاف أنه "في كل مرحلة من مراحل البناء الفقهي يطغى شيء جديد. لذا لا بد في هذا الزمن عن تحرير المسائل".

وأشار الداعية إلى أن "السند طغى على الأحاديث المنتشرة مما أضر بالناس، فدخلت أحاديث آحاد، من الصعب نسبتها للنبي".

وبعد تأكيده أن القرآن هو الكتاب الوحيد غير القابل للمراجعة، أوضح المغامسي أن "الفقه الإسلامي صناعة بشرية ولابد من إعادة قراءته وتمحيصه".

وختم المغامسي حديثه متسائلا: "البعض يستكثر عليك أن تراجع الفقه الإسلامي فإذا اعترفتم أن "أصحاب المذاهب" بشر ما الذي يمنع من المراجعة؟"

مسجد قباء

كان من الممكن أن يمر تصريح مغامسي دون جلبة تذكر لو ورد على لسان رجل دين غير مشهور.

لكن الجدل الذي أحدثه التصريح له علاقة بمكانة صاحبه والضجة التي رافقت إعفاءه من منصبه في مارس/ آذار من عام 2020.

فالشيخ أحد كبار رجال الدين المعروفين في السعودية، وقد تقلد سابقا العديد من المناصب الهامة في الدولة.

كما شغل لسنوات عديدة وظيفة إمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة، وهو أول مسجد بُني في الإسلام.

إلا أن السلطات السعودية أقالته من إمامة المسجد عام 2020 بسبب تغريدة اعتذر عنها لاحقا ووصفها بغير الموفقة.

وقد طالب الشيخ آنذاك بالإفراج عن "المخطئين من السجناء"، وهو ما اعتبره البعض كلاما موجها للسلطات لتذكيرها بالشيوخ المساجين.

وشهدت السعودية خلال الأعوام الماضية حملة اعتقالات شملت شخصيات أكاديمية ودينية حقوقية بارزة.

وفي مقابلته الأخيرة مع القناة السعودية، تطرق المغامسي إلى تفاصيل إعفائه من إمامة مسجد القباء.

فأشار المغامسي إلى أن "قرار إقالته جاء من قبل فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمدينة المنورة، وليس من قبل الديوان الملكي".

واتهم الداعية الشهير البعض "بنشر مغالطات حول إعفائه من إمامة المسجد".

ووجه انتقاداته بالأساس لمن سماهم بـ"المتربصين من الإخوان المسلمين، والسلفيين المنتفعين والسروريين"، في إشارة للتيار السروري الذي وصفه بأنه "أكثر التيارات الإسلامية تطرفا في الشرق الأوسط".

مراجعة الفقه بين الترحيب والتخويف

بالعودة للجدل الدائر حول دعوة المغامسي إلى ضرورة مراجعة الفقه والدعوة لإنشاء مذهب جديد عبر المنصات الرقمية، نلاحظ تباينا واسعا في آراء رواد تلك المنصات بين مرحب ومشكك.

فلدى تعقبيهم على تصريحات المغامسي، لم يغفل معلقون الحديث عن الدور الذي تلعبه الحكومات والتيارات الدينية في تشكيل الموقف الشعبي من الموروث الفقهي.

من المعلقين من يرى أن المغامسي بالغ كثيرا في دعوته إلى إنشاء مذهب آخر.

حتى أن البعض اعتبر ذلك "تحريفا لأصول الفقه وخروجا عن السنة".

ومن المعلقين أيضا من اعتبر أن "تصريحات المغامسي تأتي في إطار استراتيجية لإعادة التموقع والتقرب من السلطة".

لكن دعوة المغامسي لاقت أيضا استحسان عدد من المعلقين السعوديين، ممن دافعوا عن حق الشيخ في التعبير عن رأيه، ودعوا إلى أهمية "نقض الفقهيات التي لا يوجد عليها دليل".

ويشاطرهم في ذلك آخرون ممن تساءلوا عن "سبب وجود أكثر من رأي في غالبية المسائل الفقهية".

إذ ثمة من يرى أن "غالبية الفقهاء يصدرون أحكامهم وفقا لتأويلات قابلة للتبديل والحذف لا على حقائق ثابتة".

كما يجادل البعض بأن "مراجعة ما يقوله بعضه الفقهاء يعد أمرا صحيا لا يهدف لتقويض أصول الدين بقدر ما هو رفض لمحاولة فرض رأي بعينه مقابل تجاهل بقية الآراء الفقهية".

"دعوة للتجديد" أم "فقاعة سياسية"؟

من ناحية أخرى، أشاد معلقون سعوديون بـ"المراجعات التي طرأت على مواقف المغامسي وآرائه"، وقالوا إن "بلادهم بحاجة إلى إنهاء فكرة الصحوة المتشددة وإعمال العقل".

في حين ذكّر آخرون بمواقف سابقة للشيخ السعودي، وحذروا من "إعادة بعض الرموز للواجهة بعد أن رفضها المجتمع".

كذلك، ثمة من يرى أن الدعوات المتكررة اليوم لتجديد الخطاب الديني والفقه، على أهميتها، "لا تعدو أن تكون مجرد فقاعات إعلامية تستخدمها أدوات الحكومات والمقربون منها لصرف الأنظار عن قضايا أهم".

ويقول البعض إن مسألة مراجعة الفقه والمذاهب والنصوص التراثية "تتطلب مناخا من الحريات، ومفكرين من خارج المدرسة التقليدية لتحرره من سلطة الفكر الواحد"، وفق تعبيرهم.

ما هو الفقه؟